كان يسير في الطرقات والنقود الورقية تتطاير حوله ، وفي الوقت ذاته كانت أسراب الجراد هي الأخرى تحيط به ... ما ان يلتقط ورقة نقديه من فئة الالف ريال حتى تتحول في يده الى جراده ... يحاول أن يترك الجراد ليلتقط النقود لكن النقود كانت تتحول دائما في يده الى جراد ... قال حسناً سأترك النقود ، وآخذ الجراد ... بدأ ملاحقة الجراد وتعبئتها في جيوبه .. لكنها كانت تتطاير عليه وتهرب دائما .
لم يتمكن من تجميع النقود ، ولا الجراد الجميع يهرب يتطاير بعيداً بعيداً في السماء الواسعه . .
يتحول الحلم الى فصل آخر ..
أخبار تتناقلها وكالات الأنباء ، والقنوات الاخباريه التليفزيونيه والاذاعية عن انفراج الازمة الخانقة التي عانى منها موظفي الدوله جراء انقطاع المرتبات سنوات .. اذ اقر اجتماع مشترك لمجلسا النواب والشورى برئاسة رئيس الجمهورية وحضور الحكومة المبادرة وعلى الفور الى صرف مرتبات الموظفين.. ما هي الا لحظات حتى اصطف الموظفين في طوابير طويله في الشوارع الرئيسيه ( شارع حده ، شارع الزبيري ، باب اليمن ، ميدان التحرير ) أمام أمناء صناديق الوزارات والمؤسسات العامه يستلمون مرتباتهم المتأخره منذ سنوات .. تم اغلاق الشوارع الرئيسيه بحواجز خرسانيه ، ومنع مرور السيارات لتخصص لصرف مرتبات الموظفين .. ولان رجال المرور والشرطه أنفسهم مصطفين في طوابير لاستلام مرتباتهم .. حتى أن محطات تعبئة البنزين والديزل تحولت الى مقار لأمناء الصناديق يصرفون فيها المرتبات .. وهناك اصطف عشرات الآلاف من الموظفين في طوابير منتظمه .. كانت مكبرات الصوت تردد .. أخيرا انتصرنا أيها الشعب اليمني العظيم .. وبفضل صمودكم هانحن نحتفل بيوم الراتب الوطني .. وبعضهم كان يضيف انه يوم الراتب العالمي .. كانت النساء تعتلي أسطح المنازل ، وتطل برؤؤسها من النوافذ والشرفات وتعلو أصوات الزغاريد .. بينما مؤجرين المنازل منتظرين أمام العمارات وقد فتح كل منهم (شوالته) .. وأخرج أصحاب البقالات كشوفات ديون مشتريات الموظفين خلال الفترة الماضيه .أقل موظف يستلم اثنين مليون ريال .. أما رؤساء الأقسام ومدراء الإدارات ومدراء العموم تتراوح المبالغ التي تسلموها مابين خمسه الى ستة ملايين ريال .... الجميع فرحان ومبتهج بهذا اليوم الوطني العظيم .. لقد جاء دوره ليستلم راتبه مع المتآخرات والذي بلغ ستة ملايين ومائتين وأربعون الف ريال ...
كان أمين الصندوق يشير الى رزم النقود التي أمامه ويسلمه الكشف .. هيا جاء دورك يـا"دبوان " ..
فجأه هناك من يطرق باب شقته بيديه وربما يركله بقدميه .. يطرق الجرس ... يصرخ بصوت عالي " هيا مه يادبوان .. افتح ... الله لا فتح عليك .. يادبووووووووان .. بينقلك افتح .. أيحين عتدي الايجار .. ولا فرغ بيتي" ..
يصحو "دبوان " مذعورا من الحلم .. يهرول الى الباب .. يفتح .. مالك ياعم حمود .. والله لو كنت تأخرت دقيقه بس .. دقيقه .. قد كنت عد أستلم مرتبي .. سته ملايين ومائتين وأربعون الف ريال .
يرد عليه حمود : ماهو سته مليون دفعه واحده .. هيا اليوم ادي حقي الايجار وبس عندك ستمائة الف .. وحق الماء و الاشتراكات حق الكهرباء ..
دبوان : والله ياعم حمود لو كنت تأخرت دقيقه .. دقيقه بس .. "قد كنت عد استلم سته مليون ومائتين وأربعون الف ريال .. قد نادى باسمي أمين الصندوق وكان دوري .. قد كان دوررررري ""..
حمود : (يافتاح ياعليم .. الرجال جنن .. قرح الفيوز .. لا تمكني مجنانه .. جنان يخارجك ولا عقل يحنبك .. بينقلك ادي الايجار ولا فرغ بيتي بحجر الله ويرمي الشال .. قلك سته مليون .. معك شهر مهله تبسر لك بيت... هيا خاطرك) .
يغلق الباب ويلتفت الى الخلف .. زوجته وأطفاله محملقين في استغراب .. يرددون بصوت واحد " سته مليون " ..
الزوجه : سته مليون وكم يا"دبوان "
دبوان: سته مليون ومائتين وأربعين الف ريال ..
الزوجه : ""هيا ايحين عتسير تشتريلي ذهبي .. الذهب الذي بعته .. ذهبي باثنين مليون ، والباقي اديها .. نشتري لنا بها أرضيه .. ليحين عنجنبر في بيوت الايجار ؟؟ .
ـ والله
انه أمين الصندوق قد كان عيسلمها لي ... بس لو عمي حمود اتأخر دقيقه ... دقيقه بس
..كنت عد أسدد الايجار ، وأشتريلك والبسك من راسك لا رجلك ذهب ...
الأطفال : واحنا يابابا ما عتشتريلنا ..
دبوان : قد كنت عد أشتريلكم كل الذي نفسكم فيه ... (يانفس ما تشتهي) ..
بس لو عمي حمود اتأخر دقيقه ... قد كان أمين الصندوق بيناولني الكشف أوقع ، والرزم مرصوصه قدامي هكذا اثنين وستين رزمه .. كلها أبو ألف جديد .
الزوجه : حسبي الله ونعم الوكيل ..
ماهو يادبوان .. وأين أمين الصندوق هذا .. كان راقد جنبك فوق السرير .. كم عتجلس تحلم بهذا الراتب ... سير دور لك عمل ..
دبوان : ما بالله عد أرجع أرقد .. وما عد أقوم الا لوما أستلم مرتبي .... رجاء ما حد يصحيني ..
ويعود مُسرعاً الى السرير .. يحاول ينام على معده فارغه ... مافيش فائده .. يتقلب فوق السرير .. يجعل راسه عند قدميه والعكس ... يأخذ هذه البطانيه ، ويرمي الأخرى .. يغلق ستائر الغرفه ، يجعلها تبدو كما لو أنها ليل .. يدخل في حاله هستيريه ..ينادي زوجته .. يامره .. ياحبيبتي هيا تعالي نرقد .... ينادي أولاده ... هيا كلكم ارقدو أ .
الأطفال : نحنا جاوعين يابابا .. كيف نرقد .. مابش معانا دفاتر .. مابش معانا أقلام .. قالت لنا الأستاذه اذا ما نشتري كتب ودفاتر ، والزي المدرسي عيطردونا من المدرسه ..
دبوان : أنتم ارقدوا بس وكل شيء عيجيلكم .. أرقدو ورقدو أبوكم وأمكم ..
وانتظروا الراتب ... الراتب في الطريق .. وكلهم يرددوا بأعلى صوت الراتب مات يابابا .. الراتب مات .. مات ... ويبكون جميعا ..
الزوجه : تردد ما تردده مكبرات الصوت في المسجد المجاور "" حسبنا الله ونعم الوكيل "" .. حسبنا الله ونعم الوكيل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق