رجــل مــن الثلــج ( قصة قصيره ) - Elegant Writer

Breaking

الثلاثاء، 29 أكتوبر 2019

رجــل مــن الثلــج ( قصة قصيره )

من الصعب أن ينفعل لكنه سرعان ما يذوب بمجرد رؤيته أنامل امرأة ثلاثينيه وربما أربعينيه .. هل هو الحرمان أم أنه البحث عن حنان ... أم تعويض لحالة التشرد التي يعيشها  مع امرأة نكديه كثيرة الصراخ والنواح .. رجل من الثلج يعيش مع امرأة من نار لكنه لا يذوب معها ، ولا هي تنطفيء معه .
        بينما كنت أتمشى في شارع مكتض بالكلاب الضاله قفزت الى ذهني كومضة برق ذكريات أيام قضيتها بالقرب من ذلك الرجل الثلج .. ولعلي ابتسمت لااراديا عندما تذكرت أحداهن وهي تقدم له كأس العصير .. وقبل أن يتناوله يقيس درجة حرارته .. فيقول لها : لكنه ليس بارد .. ترد عليه  بلهجة صنعانية تملأها (اللقانه)   لا تقلق ياأستاذ (عيبرد داخل)  .. فيرد عليها بضحكة من وراء ألأسنان .. ههههه ههههه ..  ـ تريد أن تقول له ولكن بطريقتها ـ كم هو بارد ـ وكم هو ثلجي .. فيفهمها بطريقته ويرد بمنتهى البرود كعادته .
لم يكن مجرد ثلج عادي .. لكنه خبير في التكييف والتبريد ، وتحويل الأحرار الى عبيد .. يتكيف مع كل الطقوس ، ويتقولب مع كل الأشكال .. الرجل الثلج كائن يتحرك في بدلات أنيقه ، وهذا البرود القاتل هو سلاحه ومؤهله الذي يميزه عن سائر الكائنات في بلاد  يتسم مواطنيها  بالنزق ، والتسرع ، وبالكثير من الحمق  وربما الشراسة والهمجيه .. في مجتمع كهذا أن تكون ثلجيا فتلك معجزتك تكون فيه نبيا  آيتك البرود وادعاء الشرود .. وأحيانا ادعاء الغباء والاسراف في اظهار الحياء .. والطيبة والدهاء .. أعترف بأنه أصابني شيئا من بروده بفعل بقائي معه وقت ليس بالقصير ، وقد كنت قبل ذلك شديد الأنفعال ، كثير القلق والتوتر .. وهذه ميزة تعلمتها بالعدوى حتى صرت مختلفا عن بقية أفراد أسرتي .. أعترف بأنه من الصعب جدا أن تصل الى ذلك المستوى من البرود بحيث تصير ثلجيا .. بمعنى أن تواجه البالونات وهي تنفجر في وجهك ، والشتائم التي تنهال عليك ، والنقد اللاذع بمنتهى البرود ، وربما بابتسامة خفيه تجعل الآخر يزداد غيضا ، وربما يقع صريعا لبرودك القاتل .
   كثيرا ما يحاول أن يبدو رومانسيا  حين يتحدث مع الجنس اللطيف فيظهر لطفا ونعومة أكثر من ذلك الجنس  نفسه ، وربما هي حالة ذوبان مفتعله لا تصل الى درجة السيلان الحقيقي .. بل التودد والتقرب من الهدف ولكن بمرونة بلاستيكية تصل الى حد مرونة مادة السيليكون .. هذا التودد وهذه المرونة كثيرا ما فتحت شهية الكثير من النساء حتى منظفات مكتبه ، يتقربن  اليه لاغوائه في حين  يحاول أن يبدو لهن بأنه فعلا قد وقع في الحب .. لكنهن بغريزتهن كاناث يدركن دون عناء مستوى برودته .. ومع ذلك  يواصلن التقرب طمعا في المساعدات الماليه .. مع أنهن يعرفن كم هو بخيل مقارنة بالسائق والسكرتير الخاص الذي يعمل معه ..لم أكن متأكدا تماما كيف اكتسب هذا القدر من البرودة التي أرجعها البعض الى كونه يمارس رياضة اليوغا التي أوصلته الى هذا القدر من الاسفنجيه ، والمرونه بحيث يمتص أعنف الصدمات دون أن يفقد شيئا من درجة برودته .. هل هو الانشغال بالتأمل في الذات من الداخل يتحول الى حقنة دائمه من الفريون .. ربما هو ذلك بالضبط .. أتذكر كيف أنه يجعل نفسه في وضع (صامت) لساعات طويله بينما يظهر للآخرين من حوله أنه منهمك باهتمام في الأستماع الى ما يقولونه أو ما يشكونه أو ما يطالبون به من حقوق أو امتيازات ... يستمع لساعات وكل ما يرد به عليهم هو كلمة واحده ( طيب .. تمام ) .. وما ان يفرغ الآخر من حديثه حتى يلحق به الى الخارج ليظهر له كم هو مهم ، وكم هو مهتم به  .. غير أن الجميع سرعان ما يصلون الى نفس النتيجه .. ان تلك الكلمات ( طيب /تمام ) لا يعنيها كما هم قد فهمونها ..
وكثيرا منهم يواصل المتابعه .. ويكون الرد نفس الرد ( طيب .. تمام ) .. ولا يتم تنفيذ شيء يذكر  ..
    شيئا فشيئا يتحول المكان حيث هو الى ما هو أشبه بالفريزر .. تحال اليه الكثير من القضايا التي يكون الهدف من احالتها التجميد والتبريد .. فقد وضعه رئيسه في ذلك المكان وهو يعرف جيدا كم هو مفيد في الاحتفاظ بالاشياء التي تتطلب التخزين لوقت طويل ، ربما لسنوات ...  
انفجر المكان ، تبخر الجميع ... وخرج الرجل الثلجي من بين الركام شامخا .. لكن لم يسعفه بروده هذه المره للبقاء أكثر فقد كان الانفجار كافيا لتحويل الحديد المسلح الى حالة الانصهار .. تساقط الرجل الثلجي حمما بركانيه .. تاركا الفريزر مشرعا أبوابه لاستقبال كائنات ثلجية جديده استعدادا للعصر الجليدي القادم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق